خطبة الجمعة القادمة 25 مارس 2022م “التكافل المجتمعي .. حقوق الوالدين والمسنين والضعفاء أنموذجًا” ، للدكتور محروس حفظي
خطبة الجمعة القادمة
خطبة الجمعة القادمة 25 مارس 2022م : “التكافل المجتمعي .. حقوق الوالدين والمسنين والضعفاء أنموذجًا” ، للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ: 22 شعبان 1443هـ – الموافق 25 مارس 2022م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 25 مارس 2022م ، للدكتور محروس حفظي : “التكافل المجتمعي .. حقوق الوالدين والمسنين والضعفاء أنموذجًا”.
ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 25 مارس 2022م ، للدكتور محروس حفظي : “التكافل المجتمعي .. حقوق الوالدين والمسنين والضعفاء أنموذجًا” ، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 25 مارس 2022م ، للدكتور محروس حفظي : “التكافل المجتمعي .. حقوق الوالدين والمسنين والضعفاء أنموذجًا” ، بصيغة pdf أضغط هنا.
___________________________________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
عناصر خطبة الجمعة القادمة: “التكافل المجتمعي .. حقوق الوالدين والمسنين والضعفاء أنموذجًا”، للدكتور محروس حفظي : كما يلي:
(1) حثَّ الإسلامُ على رعايةِ الوالدينِ والمسنين.
(2) جانبٌ مِن حقوقِ الوالدينِ.
(3) مظاهرُ العنايةِ بالمسنينَ في الإسلامِ .
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة «التكافل المجتمعي .. حقوق الوالدين والمسنين والضعفاء أنموذجًا»، للدكتور محروس حفظي : كما يلي:
الحمدُ للهِ حمدًا يُوافي نعمَهُ، ويُكافىءُ مزيدَهُ، لكَ الحمدُ كما ينبغِي لجلالِ وجهِكَ، ولعظيمِ سلطانِكَ، والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سيدِنَا محمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أمَّا بعدُ،،،
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة
(1) حثَّ الإسلامُ على رعايةِ الوالدينِ والمسنين:
لقد استفاضتْ الأدلةُ على فرضيةِ الإحسانِ إلى الوالدينِ، وباستقراءِ آيِ الذكرِ الحكيمِ تجدُ أنَّ اللهَ أوصَى بالإحسانِ إليهمَا قولًا وعملًا، ظاهرًا وباطنًا، ففِي مواضعَ أربعٍ مِن القرآنِ الكريمِ يُقرنُ اللهُ بينَ عبادتِهِ وشكرهِ وبينَ الأمرِ ببرِّ الوالدينِ وشكرِهِمَا فقالَ: ﴿وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً﴾، وقالَ: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً﴾، وقالَ جلَّ شأنُهُ: ﴿قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً﴾، وقال عزَّ سلطانُهُ: ﴿وَقَضى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً﴾، وقد كانَ لهما تلكَ المزيةَ والفضلَ؛ لمَا تحمَّلَاهُ مِن مشقةٍ وتعبٍ في سبيلِ تربيةِ الأبناءِ ومِن أجلِ تعليمِهِم وتأديبِهِم خاصةً الأمُّ التي جاءتْ النصوصُ بذكرِهَا فهى عانتْ آلامَ الحملِ والولادةِ والرضاعةِ والتربيةِ كما قالِ ربُّنَا: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾ وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ فَقَالَ:«مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: أُمُّكَ قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أُمُّكَ، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: ثُمَّ أَبُوكَ» (متفق عليه) .
إنَّ المسلمَ مأمورٌ أنْ يحسنَ إلى والديهِ امتثالًا لأمرِ اللهِ تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً﴾، ودينُنَا دينُ الإنسانيةِ والاحترامِ يأمرُنَا بوصلِ الوالدينِ واحترامِهِمَا حتى ولو كانَا غيرَ مسلمينِ قالَ تعالى: ﴿وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً﴾ وعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ إِذْ عَاهَدَهُمْ فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُ أُمِّي؟ قَالَ: «نَعَمْ، صِلِي أُمَّكِ» (متفق عليه)، وليوقنَ الإنسانُ أنَّ برَّ والديهِ سببُ سعاتهِ وسبيلُ راحتهِ في الدنيا، ومغفرةُ ذنبهِ في الآخرةِ فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ: «رَغِمَ أَنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ، ثُمَّ رَغِمَ أَنْفُهُ» قِيلَ: مَنْ؟ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ، أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا، ثُمَّ لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ» (مسلم)، ولذا كان مِن صفاتِ أنبياءِ اللهِ التي مدحَهُم بهَا برُّ الوالدينِ قال حكايةً عن يحيَى: ﴿وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا﴾ وعن عيسَى عليهمَا السلامُ: ﴿وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا﴾ أمَّا عقوقُهُمَا والإساءةُ إليهما فلا يجلبُ للإنسانِ إلا الشقاءَ والتعاسةَ في الحياةِ فضلًا عمَّا ينتظرهُ في الآخرةِ مِن العقابِ والنكالِ، وهو دينٌ مؤجلٌ سيقتصُّ منهُ وسيرىَ بأمِّ عينيهِ ما جنتْ يداهُ شاءَ أمْ أبىَ رضيَ أمْ سخطَ قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كُلُّ ذُنُوبٍ يُؤَخِّرُ اللَّهُ مِنْهَا مَا شَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، إِلَّا الْبَغْيَ، وَعُقُوقَ الْوَالِدَيْنِ، أَوْ قَطِيعَةَ الرَّحِمِ، يُعَجِّلُ لِصَاحِبِهَا فِي الدُّنْيَا قَبْلَ الْمَوْتِ» (الأدب المفرد بسندٍ صحيح) .
أخي الحبيبُ الواقعُ يغنيكَ عن سردِ كثيرٍ مِن القصصِ التي يأنُّ فيها الوالدانِ ويشكوانِ ابنهمَا وزوجَهُ مِن هجرهِمَا وعدمِ السؤالِ عليهمَا ولو بمحادثةٍ أو مراسلةٍ، وقد يفعلُ الولدُ وزوجُهُ ذلك خشيةَ الإنفاقِ على الوالدينِ أو خوفًا مِن طلباتِهِم أو هربًا مِن قضاءِ مصالحِهِم، لكنْ عليهمَا أنْ يستوعِبَا أنَّ هذا الجفاءَ وسوءَ المعاملةِ لهما لا يجنيانِ مِن ورائهِ سوى الفقرَ والخيبةَ وإنْ ربحَا المالَ الكثيرَ، وعاشَا في النعيمِ الوفيرِ فها هو سيدُنَا إسْمَاعِيلُ يُطلِّقُ زوجَهُ استجابةً لطلبِ والدهِ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهما السَّلَام فمَا كانَ إِلا أنْ غيَّرَ اللهُ حالهُ من الضيقِ إلى الفرجِ فعَن ابنِ عَبَّاسٍ «… فَجاءَ إبْرَاهِيمُ بَعْدَ مَا تَزَوَّجَ إسْمَاعِيلُ يُطالِعُ تَرِكَتَهُ فلَمْ يَجِدْ إسْمَاعِيلَ فَسألَ امْرَأتَهُ عَنْهُ فقالَتْ: خرجَ يَبْتَغِي لَنا، ثُمَّ سألَهَا عنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ، فقالَتْ نَحْنُ بِشَرٍّ نَحْنُ فِي ضِيقٍ وشِدَّةٍ فَشَكَتْ إلَيْهِ، قَالَ فإذَا جاءَ زَوْجُكِ فاقْرَئِي علَيْهِ السَّلاَمَ، وقُولِي لَهُ يُغَيِّرُ عَتَبَةَ بابِهِ، فلَمَّا جاءَ إسْمَاعِيلُ كأنَّهُ آنَسَ شَيْئاً، فَقَالَ هَلْ جاءَكُمْ مِنْ أحَدٍ قالَتْ: نَعَمْ جاءَنَا شَيْخٌ كذَا وكَذَا فسَألَنَا عَنْكَ فأخْبرْتُهُ، وسألَنِي كَيْفَ عَيْشُنَا فأخْبَرْتُهُ أنَّا فِي جَهْدٍ وشِدَّةٍ، قَالَ فَهَلْ أوْصَاكِ بِشَيْءٍ، قالَتْ: نَعَمْ أمَرَنِي أنْ أقْرَأ علَيْكَ السَّلامَ، ويَقولُ غَيِّرْ عَتَبَةَ بابِكَ، قَالَ ذَاكَ أبي، وقدْ أمَرَنِي أنْ أُفَارِقَكِ، الحَقِي بأهْلِكِ فَطلقَها، وتَزَوَّجَ مِنْهُمْ أُخْرَى فلَبِثَ عَنْهُمْ إبْرَاهِيمُ مَا شاءَ الله، ثُمَّ أتَاهُمْ بَعْدُ فلَمْ يَجِدْهُ فَدَخَلَ علَى امْرَأتِهِ فسَألَهَا عَنْهُ فقالَتْ: خَرَجَ يَبْتَغِي لَنا، قَالَ كَيْفَ أنْتُمْ وسألَهَا عنْ عَيْشِهِمْ وهَيْئَتِهِمْ فقالَتْ: نَحْنُ بِخَيْرٍ وسِعَةٍ، وأثْنَتْ علَى الله، فَقَالَ: مَا طَعَامُكُمْ، قالَتِ: اللَّحْمُ، قَالَ: فَما شَرَابُكُمْ قالَتِ: الْمَاءُ، قَالَ: أللَّهُمَّ بارِكْ لَهُمْ فِي اللَّحْمِ والماءِ» (البخاري) .
كما أوصتْ الشريعةُ الإسلاميةُ أنْ نحسنَ إلى المسنينَ والذين تقدَّمَ بهم العُمُرُ؛ لأنَّ سنةَ الحياةِ اقتضتْ أنْ يعيشَ الإنسانُ فترةَ شبابهِ ثم يصيرَ شيخًا كبيرًا قالَ تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ﴾، وعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَلَا الْجَافِي عَنْهُ وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ» (أبو داود بسند حسن)، فأنتَ إنْ أحسنتَ إلى هؤلاءِ في كبرِهِم سيقيضُ اللهُ مَن يحسنُ إليك في عجزِكَ وشيخوختِكَ؛ لأنَّهُ كما تدينُ تُدانُ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «الْبِرُّ لَا يَبْلَى، وَالْإِثْمُ لَا يُنْسَى، وَالدَّيَّانُ لَا يَمُوتُ، فَكُنْ كَمَا شِئْتَ كَمَا تَدِينُ تُدَانُ» (مُرْسَلٌ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ) .
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة
(2) جانبٌ مِن حقوقِ الوالدينِ:
وضعَ الإسلامُ حقوقًا كثيرةً لا يسعُ الوقتُ لسردِ جميعِهَا لكنْ نُشيرُ في عجالةٍ قصيرةٍ إلى جانبٍ منها:
*الإحسانُ إليهمَا وبرهُمَا في حياتِهِمَا وبعدَ موتِهِمَا: السعيدُ مَن وُفِّقَ لبرِّ والديهِ والإحسانِ إليهمَا، وهو عنوانُ رجولَتِكَ ودليلُ مرؤَتِكَ، وأَمَارةُ نُبلِكَ، ولذَا عدَّهُ رسولُنَا مِن أفضلِ القرباتِ وأعظمِ الطاعاتِ فعنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ: «أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا، قَالَ: قُلْتُ ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: بِرُّ الْوَالِدَيْنِ..» (متفق عليه)، ومِن البرِّ أنْ تُقدِّمَ مصلحتَهُمَا وحاجتَهُمَا على مصلحتِكَ، وكذَا رضاهُمَا على هوىَ زوجِكَ، وأَلّا تفعلْ مِن الأفعالِ ما يشينُ، أو تتحدثْ بالأقوالِ ما يعيبُ، فتجرَّ اللعنةَ إليهما، فتكونَ بذلكَ قد خالفتَ سنةَ الحبيبِ فعَنْ ابْنِ عَمْرِو أَنَّ رَسُولَ اللهِ قَالَ: «مِنَ الْكَبَائِرِ شَتْمُ الرَّجُلِ وَالِدَيْهِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَهَلْ يَشْتِمُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟ قَالَ: «نَعَمْ يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ» (مسلم)، وبرُّ الوالدينِ لا ينقطعُ بل هو متصلٌ بعدَ موتِهِمَا كأنْ تدعُوا لهُمَا، وتتصدقَ عنهما، وتصلَ رحمَهُمَا، وتحسنَ إلى صديقِهِمَا فعَنْ أَبِي أُسَيْدٍ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: «بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَبَقِيَ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِمَا؟ قَالَ: نَعَمْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِمَا، وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُمَا، وَإِيفَاءٌ بِعُهُودِهِمَا مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِمَا، وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا، وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لَا تُوصَلُ إِلَّا بِهِمَا» (ابن ماجه)، وعلى هذا تربَّى جيلُ الصحابةِ فخرَّجُوا وعلَّمُوا العالم بأسرهِ فها هو ابْنُ عُمَرَ رضي اللهُ عنهما: «خَرَجَ إِلَى مَكَّةَ، وكَانَ لَهُ حِمَارٌ يَتَرَوَّحُ عَلَيْهِ، إِذَا مَلَّ رُكُوبَ الرَّاحِلَةِ، وَعِمَامَةٌ يَشُدُّ بِهَا رَأْسَهُ، فَبَيْنَا هُوَ يَوْمًا عَلَى ذَلِكَ الْحِمَارِ، إِذْ مَرَّ بِهِ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: أَلَسْتَ ابْنَ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ، قَالَ: بَلَى، فَأَعْطَاهُ الْحِمَارَ، وَقَالَ: ارْكَبْ هَذَا، وَالْعِمَامَة اشْدُدْ بِهَا رَأْسَكَ، فَقيل لَهُ: غَفَرَ اللهُ لَكَ أَعْطَيْتَ هَذَا الْأَعْرَابِيَّ حِمَارًا كُنْتَ تَرَوَّحُ عَلَيْهِ، وَعِمَامَةً كُنْتَ تَشُدُّ بِهَا رَأْسَكَ، فَقَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ: «إِنَّ مِنْ أَبَرِّ الْبِرِّ صِلَةَ الرَّجُلِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ بَعْدَ أَنْ يُوَلِّيَ وَإِنَّ أَبَاهُ كَانَ صَدِيقًا لِعُمَرَ» (مسلم) .
*الرحمةّ بهمَا وعدمُ التجبرِ والتكبرِ عليهمَا: أوجبَ دينُنَا على الإنسانِ أنْ يرفقَ بوالديهِ، وأنْ يلينَ لهما الكلامَ، وأَلّا يغلظَ عليهما القولَ، ولا يُسميهُمَا باسميهِمَا، ولا يترفعَ ويتجبرَ عليهمَا قالَ تعالى: ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً﴾، لقد نُهِينَا أنْ نقولَ لهمَا: ﴿أُفٍّ﴾ وهي أدنَى كلمةٍ تدلُّ على التضجرِ والاستثقالِ، أو تقالُ للاستقذارِ لما نشمُّهُ، ولو علمَ ربُّنَا كلمةً أدنَى منها لذكرهَا محذرًا منها، ومِن فضلِ اللهِ علينَا أنْ عُدَّ الإحسانُ إلى الوالدينِ بابًا مِن أبوابِ الجهادِ في سبيلهِ – إنْ لم يتعينْ عليه – فعَنْ ابْنِ عَمْرٍو قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَأْذِنُهُ فِي الْجِهَادِ فَقَالَ: أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ» (متفق عليه)، وبابًا مِن أبوابِ استجابةِ الدعاءِ فها هو صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوصِي سيدَنَا عُمَرَ فيَقُولُ: «يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ مُرَادٍ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ، لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ» (مسلم) .
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة
(3) مظاهرُ العنايةِ بالمسنينَ في الإسلامِ:
لقد تعددتْ مظاهرُ العنايةِ والرعايةِ بالمسنينَ، ومِن تلك المظاهرِ ما يلي:
*حسنُ الاستقبالِ، وتذكرُ حسانتِهِم معنَا: وفي سيرةِ نبيِّنَا العطرةِ ما يرشدُكَ إلى ذلك فعنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «جَاءَتْ عَجُوزٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عِنْدِي، فَقَالَ: لَهَا رَسُولُ اللَّهِ: مَنْ أَنْتِ؟ قَالَتْ: أَنَا جَثَّامَةُ الْمُزَنِيَّةُ، فَقَالَ: بَلْ أَنْتِ حَسَّانَةُ الْمُزَنِيَّةُ، كَيْفَ أَنْتُمْ؟ كَيْفَ حَالُكُمْ؟ كَيْفَ كُنْتُمْ بَعْدَنَا؟ قَالَتْ: بِخَيْرٍ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَلَمَّا خَرَجَتْ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تُقْبِلُ عَلَى هَذِهِ الْعَجُوزِ هَذَا الْإِقْبَالَ؟ فَقَالَ: إِنَّهَا كَانَتْ تَأْتِينَا زَمَنَ خَدِيجَةَ، وَإِنَّ حُسْنَ الْعَهْدِ مِنَ الْإِيمَانِ» (الحاكم وصححه ووافقه الذهبي)، وكانَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤثرُ ويحبُّ أنْ يأتيَ كبارَ السنِّ، ويقضِي لهم حاجتَهُم فعَنْ أَنَسٍ قَالَ: «جَاءَ أَبُو بَكْرٍ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ بِأَبِيهِ أَبِي قُحَافَةَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: لَوْ أَقْرَرْتَ الشَّيْخَ فِي بَيْتِهِ لَأَتَيْنَاهُ» (الحاكم وصححه ووافقه الذهبي) .
*إدخالُ الفرحِ والسرورِ عليهم والبشاشةُ في وجوهِهِم: وعدمُ التدقيقِ عليهِم في كلِّ شيءٍ فعَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ أَتَتْهُ عَجُوزٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُدْخِلَنِي الْجَنَّةَ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ: إِنَّ الْجَنَّةَ لَا يَدْخُلُهَا عَجُوزٌ، فَذَهَبَ نَبِيُّ اللَّهِ فَصَلَّى، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى عَائِشَةَ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ كَلِمَتِكَ مَشَقَّةً وَشِدَّةً، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ: «إِنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ، إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَدْخَلَهُنَّ الْجَنَّةَ حَوَّلَهُنَّ أَبْكَارًا» (الطبراني بسند حسن)، فالشيخُ الكبيرُ تُرضِيهِ أدنَى كلمة، ويقنعُ بما تُعطِيه، وقد فهمَ رسولُنَا طبيعتَهُم فعاملَهُم بمقتضَى تلك الجِبلَّةِ فعَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالَ: «قَدِمَتْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقْبِيَةٌ “أنواع من الثياب”، فَقَالَ لِي أَبِي، مَخْرَمَةُ انْطَلِقْ بِنَا إِلَيْهِ عَسَى أَنْ يُعْطِيَنَا مِنْهَا شَيْئًا، قَالَ: فَقَامَ أَبِي عَلَى الْبَابِ فَتَكَلَّمَ، فَعَرَفَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتَهُ، فَخَرَجَ وَمَعَهُ قَبَاءٌ وَهُوَ يُرِيهِ مَحَاسِنَهُ، وَهُوَ يَقُولُ: خَبَأْتُ هَذَا لَكَ خَبَأْتُ هَذَا لَكَ» (مسلم)، وكان مَخْرَمَةُ رضي اللهُ عنه كبيرَ السنِّ، فسكنتْ نفسهُ، وهدأَ بالُهُ، ورضِيَ ورجعَ بخيرِ ما أرادَ.
*توقيرُهُم وتقديمُهُم في الأمورِ الدنيويةِ والدينيةِ: أوجبَ علينَا دينُنَا تعظيمَهُم وتقديمَهُم في الأمورِ الدنيويةِ كالحديثِ أو الجلوسِ أو دخولِ المسجدِ أو في أيِّ محفلٍ أو مركبٍ فعن ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ قَالَ:«أَرَانِي فِي الْمَنَامِ أَتَسَوَّكُ بِسِوَاكٍ، فَجَذَبَنِي رَجُلَانِ، أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الْآخَرِ، فَنَاوَلْتُ السِّوَاكَ الْأَصْغَرَ مِنْهُمَا، فَقِيلَ لِي: كَبِّرْ، فَدَفَعْتُهُ إِلَى الْأَكْبَرِ» (متفق عليه)، وكذا في إمامةِ الصلاةِ – طالمَا توفرتْ شروطُهَا – عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ قَالَ: «أَتَيْنَا رَسُولَ اللهِ، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً، وَكَانَ رَسُولُ اللهِ رَحِيمًا رَقِيقًا، فَظَنَّ أَنَّا قَدِ اشْتَقْنَا أَهْلَنَا، فَسَأَلَنَا عَنْ مَنْ تَرَكْنَا مِنْ أَهْلِنَا، فَأَخْبَرْنَاهُ، فَقَالَ: ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ، فَأَقِيمُوا فِيهِمْ وَعَلِّمُوهُمْ، وَمُرُوهُمْ فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ، ثُمَّ لِيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ» (متفق عليه)، وفي السلاِم يُسَنُّ سلامُ الصغيرِ على الكبيرِ قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «يسلمُ الصغيرُ على الكبيرِ، والمارُّ على القاعدِ، والقليلُ على الكثيرِ» (البخاري) .
*أخذُ مشورتِهِم ورأيِهِم في الأمورِ الجليلةِ: لأنَّهُم أكثرُ خبرةً وحنكةً بشؤنِ الحياةِ، وأعظمُ درايةً بالأعرافِ والتقاليدِ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا» (الأدب المفرد) .
*تلبيةُ مصالحِهِم والقيامُ على أمرهِم: وتلكَ السنةُ وهي الرحمةُ بالمسنينَ والقيامُ على ذويِ الحاجاتِ مما جرىَ عليهِ العملُ في كلِّ زمانٍ ومكانٍ، فهذا عمرُ- وهو خليفةٌ – يخرجُ في سوادِ الليلِ، فيدخلُ بيتًا ليقضِي حاجةَ امرأةٍ عجوزٍ عمياء قد قعدَ بها السِّنُّ «فَرَأَهُ طَلْحَةُ فَلَمَّا أَصْبَحَ طَلْحَةُ ذَهَبَ إِلَى ذَلِكَ الْبَيْتِ فَإِذَا بِعَجُوزٍ عَمْيَاءَ مُقْعَدَةٍ، فَقَالَ لَهَا: مَا بَالُ هَذَا الرَّجُلِ يَأْتِيكِ؟ قَالَتْ: إِنَّهُ يَتَعَاهَدُنِي مُنْذُ كَذَا وَكَذَا، يَأْتِينِي بِمَا يُصْلِحُنِي، وَيُخْرِجُ عَنِّي الْأَذَى، فَقَالَ طَلْحَةُ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا طَلْحَةُ أَعَثَرَاتِ عُمَرَ تَتْبَعُ؟» (حلية الأولياء) .
نسألُ اللهَ أنْ يجعلَ بلدنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمنًا أمانًا، سلمًا سلامًا وسائرَ بلادِ العالمين، وأنْ يوفقَ ولاةَ أُمورِنَا لمَا فيه نفعُ البلادِ والعبادِ .
كتبه: د / محروس رمضان حفظي عبد العال
عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف